والبعث، وثالثا فيما يثبت الأمرين بالدّلائل الواضحة، ثمّ ذكر هنا ما يتعلّق بالنّبوة، فأبان سبب إعراض الكفار عن آيات ربّهم بعد إتيان النّبي صلّى الله عليه وسلّم بها، وهو إشراكهم بالله وتكذيبهم الرّسل، وأنذرهم عاقبة التّكذيب بالحقّ بدليل ما حلّ بالأمم قبلهم.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن المشركين المعاندين أنهم كلّما أتتهم معجزة وحجّة دامغة من دلائل وحدانية الله وصدق رسله الكرام، أعرضوا عنها، ولم ينظروا فيها، ولم يبالوا بها.
وما تأتي المشركين يا محمد بأي آية من آيات القرآن المنزّلة من ربّهم الذي ربّاهم، وتعهّدهم في حالتي الضعف والقوّة، وكفل لهم رزقهم، وأنعم عليهم بكل شيء في أنفسهم وفي الأرض والسماء، تلك الآيات الدّالة على بديع صنع الله، ما تأتيهم من آية إلا أعرضوا عنها استهزاء، كما قال تعالى:{ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأنبياء ٢/ ٢١].
وفسّر القرطبي الآية بالعلامة كانشقاق القمر ونحوها، وكذلك فسّر ابن كثير الآية بالمعجزة والحجّة على وحدانية الله.
وسبب ذلك الإعراض عن النّظر في آيات الله: تكذيبهم بالحقّ الذي جاءهم، وهو دين الإسلام الذي أتى به خاتم الأنبياء.
ثمّ هدّدهم وتوعّدهم على تكذيبهم بالحقّ بقوله:{فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ} أي بأنه لا بدّ أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التّكذيب، وسيجدون عاقبة أمرهم وهزئهم، كالقتل والسّبي والطّرد من البلاد، وقد تحقّق ذلك، فنزل بهم القحط، وحلّت بهم الهزيمة يوم بدر وفتح مكّة.