للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمة في إخفائها بين الليالي:

الحكمة في إخفاء ليلة القدر كالحكمة في إخفاء وقت الوفاة، ويوم القيامة، حتى يرغب المكلف في الطاعات، ويزيد في الاجتهاد، ولا يتغافل، ولا يتكاسل، ولا يتكل. ومن الإشفاق أيضا ألا يعرفها المكلف بعينها لئلا يكون بالمعصية فيها خاطئا متعمدا. وإذا اجتهد العبد في طلب ليلة القدر بإحياء الليالي المظنونة، باهى الله تعالى ملائكته، ويقول: كنتم تقولون فيهم: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، وَيَسْفِكُ الدِّماءَ} فهذا جدّهم في الأمر المظنون، فكيف لو جعلتها معلومة لهم؟ فهنالك يظهر سر قوله: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}.

فضائلها:

أوجز الله تعالى كما تقدم بيان فضائلها بقوله سبحانه: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها}. والآية الأولى فيها بشارة عظيمة وفيها تهديد عظيم، أما البشارة: فهي أنه تعالى ذكر أن هذه الليلة خير، ولم يبين قدر الخيرية. وأما التهديد: فهو أنه تعالى توعد صاحب الكبيرة بالدخول في النار، وأن إحياء مائة ليلة من القدر، لا يخلصه عن ذلك العذاب المستحق، بتطفيف حبة واحدة، فدل ذلك على تعظيم حال الذنب والمعصية (١).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة كما تقدم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدّم من ذنبه».

وقال الشعبي: وليلها كيومها، ويومها كليلها. وقال الفرّاء: لا يقدر الله في ليلة القدر إلا السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم. وقال سعيد بن المسيب في الموطأ: من شهد العشاء من ليلة القدر، فقد أخذ بحظه منها. ومثله ومثل ما تقدمه لا يدرك بالرأي.


(١) تفسير الرازي: ٣١/ ٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>