ما إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها أو يعرض عنها، فلها أن تسقط عنه حقها أو بعضه من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غيرها من حقوقها عليه، وله أن يقبل ذلك منها، فلا حرج عليها في بذلها شيئا من مالها له، ولا عليه في قبوله منها. والخوف هنا مستعمل في حقيقته بشرط ظهور أمارات تدل عليه.
ومعنى الآية في هذه الحالة: إن توقعت المرأة من زوجها نشوزا وترفعا عليها بأمارات وقرائن، كأن منعها نفسه ونفقته ولم يعاملها بالود والرحمة، أو آذاها بسبّ أو ضرب ونحو ذلك، أو أعرض عنها بأن أحجم عن محادثتها ومؤانستها لسوء في الطبع والخلق، أو لطعن في السن، أو دمامة أو ملال لها أو طموح إلى غيرها، ففي هذه الأحوال لا بأس من اللجوء إلى الإصلاح بينهما، بالتنازل عن بعض حقوقها أو كل حقوقها، لتبقى في عصمته، أو تمنحه شيئا من مالها ليطلقها وهو عوض الخلع:{فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. ولكن ليذكر الزوجان دائما ما أقامه الله بينهما من عاطفة الود والرحمة كما قال:{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم ٢١/ ٣٠].
وقد ذكرت في أسباب النزول أكثر من حالة لبعض النسوة في صدر الإسلام، تنازلت الزوجة عن حقها في القسم لضرتها، أو اكتفت بالمبيت كل شهرين، على أن تبقى لديه ولا يطلقها.
والحالة الثانية:
وهي حالة الاتفاق بين الزوجين المعبر عنه بالصلح: أي أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج، وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية. ولما كان الوفاق أحب إلى الله من الفراق، قال تعالى:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} من الفراق