{يُذْهِبْكُمْ} يهلككم يا أهل مكة {وَيَسْتَخْلِفْ} أي ينشئ الخلف وهو الذرية والنسل {كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} أذهبهم ولكنه أبقاكم رحمة لكم، وقوله {مِنْ ذُرِّيَّةِ} أي من نسل قوم {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} فائتين عذابنا، فالله قادر غير عاجز على إدراككم.
{مَكانَتِكُمْ} حالتكم {عاقِبَةُ الدّارِ} العاقبة المحمودة أو عاقبة الخير في الدار الآخرة، إذ لا اعتداد بعاقبة الشر؛ لأن الله جعل الدنيا مزرعة الآخرة. {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ} يسعد {الظّالِمُونَ} الكافرون.
المناسبة:
لما بيّن الله تعالى ثواب أهل الطاعة وعقاب أهل المعصية، وذكر أن لكل قوم درجة مخصوصة ومرتبة معينة، بيّن أنّه غير محتاج إلى طاعة المطيعين، ولا ينتقص بمعصية المذنبين، فإنه تعالى غني لذاته عن جميع العالمين، ولكنه أيضا ذو رحمة عامة كاملة، ثم بيّن أنه قادر على وضع الرحمة في هذا الخلق، أو في خلق جديد بديل عنهم، ثم فوض الأمر إلى خلقه على سبيل التهديد.
التفسير والبيان:
وربك يا محمد هو الغني عن جميع خلقه وعن عبادتهم من جميع الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، وهو مع ذلك ذو الرحمة الشاملة بهم، كما قال تعالى:{إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}[الحج ٦٥/ ٢٢] وقال في بيان غناه:
وجملة {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} تفيد الحصر، بمعنى أنه لا غني إلا هو، ولا رحمة إلا منه، لأنه واجب الوجود لذاته، وغيره ممكن لذاته، والممكن محتاج، فثبت أنه لا غني إلا هو، وكل ما سوى الله منه، فثبت أنه لا رحمة إلا من الحق، فكل ما عداه محتاج إليه في وجوده وبقائه، ومحتاج إلى الأسباب التي هي قوام وجوده وحياته.