جعلنا أعينهم مطموسة لا شق لها، وأزلنا أثرها. {فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ} أي فقلنا لهم على ألسنة الملائكة: ذوقوا إنذاري وتخويفي، أي ثمرته وفائدته.
{بُكْرَةً} أول النهار. {عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ} دائم يستقر بهم إلى أن يهلكوا، أو يتصل بعذاب الآخرة. {فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قال البيضاوي:
كرر ذلك في كل قصة إشعارا بأن تكذيب كل رسول مقتض لنزول العذاب، واستماع كل قصة مستدع للادّكار والاتعاظ، واستئنافا للتنبيه والإيقاظ، لئلا يغلبهم السهو والغفلة، وهكذا تكرير قوله:
{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} و {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} ونحوهما.
وإنما لم يقل هنا {فَكَيْفَ كانَ عَذابِي} كما قال في القصص الثلاث الأخرى، لأن التكرار ثلاث مرات بالغ كاف، ويحصل التأكيد بالثلاث.
المناسبة:
هذه قصة رابعة هي قصة قوم لوط، ذكرها الله تعالى لبيان السبب وهو تكذيب الرسل وارتكاب الفواحش، وبيان العقاب الشديد وهو التدمير والإهلاك، ليعتبر كل الناس، ويعلموا أنه ما من هلاك إلا بعد إنذار بالعذاب على لسان رسول، ثم تكذيبه.
التفسير والبيان:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} هذا حال قوم آخرين، وهم قوم لوط الذين كذبوا رسولهم وخالفوه، وكذبوا بالآيات التي أنذرهم بها، واقترفوا الفاحشة.
ثم بيّن الله تعالى عذابهم وإهلاكهم، فقال:
{إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ} أي إننا أرسلنا عليهم ريحا ترميهم بالحصباء، وهي الحصى والحجارة، فأهلكتهم ودمرتهم إلا لوطا عليه السلام ومن آمن به واتبعه، فإنا أنجيناهم من الهلاك في آخر الليل أو في قطعة من الليل وهو السدس الأخير، نجوا مما أصاب قومهم.