العرب {أَأَسْلَمْتُمْ} أي أسلموا {الْبَلاغُ} التبليغ للرسالة {وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} خبير بأعمالهم، فيجازيهم عليها، وهذا من قبيل الأمر بالقتال.
سبب النزول:
لما ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام، فلما أبصرا المدينة، قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان، فلما دخلا على النبي صلّى الله عليه وسلّم عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد؟ قال: نعم، قالا: إنا نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك، فقال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سلاني، فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله؟ فأنزل الله تعالى على نبيه:{شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ} فأسلم الرجلان، وصدّقا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم (١).
التفسير والبيان:
بيّن الله تعالى لجميع الخلائق وحدانيته أو أنه المتفرد بالألوهية بالدلائل التكوينية والتصرفية في الآفاق والأنفس. وأخبر الملائكة الرسل بهذا، وشهدوا شهادة مؤيدة بعلم بدهي، وكذلك أخبر أولو العلم بذلك، وبينوه وشهدوا به شهادة مقرونة بالدليل والحجة، وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام. قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة، وهي لي عند الله وديعة.
وأنه القائم بالعدل في جميع الأحوال من العقائد والعبادات والآداب والأعمال وفي الكون والخليقة، ومن صفة العدل أنه يأمر حقا بالعدل في الأحكام، كما تقرر في نحو قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ}[النحل ٩٠/ ١٦] وقوله: