{لا تُحَرِّمُوا} لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم {طَيِّباتِ} ما تستطيبه الأنفس، وهي ما لذّ وطاب من الحلال {وَلا تَعْتَدُوا} تتجاوزوا أمر الله ولا تتخطوا الحدود المقررة شرعا، أو لا تسرفوا في تناول الطيبات، أو لا تعتدوا بتحريم الطيبات {وَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ} أي من الوجوه الطيبة التي تسمى رزقا {حَلالاً} حال كون ما رزقكم الله من الحلال لا من الحرام {طَيِّباً} غير مستقذر ولا نجس.
سبب النزول:
أخرج ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال:
نزلت هذه الآية في رهط من الصحابة، منهم عثمان بن مظعون، قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك فقالوا: نعم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«لكني أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني».
وفي رواية السدي: أنهم كانوا عشرة، منهم ابن مظعون وعلي بن أبي طالب.
وأخرج بن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ ابن حيان الأنصاري عن عكرمة: أن عثمان بن مظعون وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود وسالما مولى أبي حذيفة، وقدامة تبتّلوا فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرّموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهمّوا بالاختصاء، وأجمعوا على القيام بالليل وصيام النهار، فنزلت الآية:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} الآية.
فلما نزلت بعث إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
فقال: «إن لأنفسكم حقا، وإن لأعينكم حقا، وإن لأهلكم حقا، فصلوا وناموا، وصوموا وأفطروا، فليس منا