{فِي جَنّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} ينابيع تجري فيها {آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ} قابلين لما أعطاهم، راضين به، وهو ما أعطاهم ربهم من الثواب، والمعنى: أن كل ما آتاهم ربهم حسن مرضي، متلقّى بالقبول {إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ} أي إنهم قبل دخولهم الجنة قد أحسنوا أعمالهم في الدنيا، وهو تعليل لاستحقاقهم ذلك.
{كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ} أي ينامون في زمن يسير من الليل، ويصلون أكثره، والهجوع: النوم، والهجعة: النومة الخفيفة. {وَبِالْأَسْحارِ} أواخر الليل، جمع سحر: وهو الجزء الأخير من الليل قبيل الفجر. {يَسْتَغْفِرُونَ} يقولون: اللهم اغفر لنا، أي إنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم إذا أسحروا، أخذوا في الاستغفار.
{وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ} نصيب يوجبونه على أنفسهم، تقربا إلى الله، وإشفاقا على الناس.
{لِلسّائِلِ} المستعطي المستجدي. {وَالْمَحْرُومِ} الذي حرم من المال، والمراد به المتعفف الذي يظن كونه غنيا، فيحرم الصدقة.
{وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ} أي في كرة الأرض من الجبال والبحار والأشجار والثمار والمعادن والنبات والإنس والجن والحيوان وغير ذلك دلائل على قدرة الله تعالى ووحدانيته. {لِلْمُوقِنِينَ} الموحّدين الذين أيقنوا بالله، وسلكوا الطريق الموصل إلى رضوان الله. {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} أي في تركيب أنفسكم وخلقكم من العجائب آيات أيضا. {أَفَلا تُبْصِرُونَ} تنظرون نظرة متأمل معتبر، يستدل بذلك على الصانع وقدرته. {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ} أي في السحاب أسباب الرزق وهو المطر الذي ينشأ عنه النبات الذي هو رزق مسبب عن المطر. {وَما تُوعَدُونَ} أي والذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب. {إِنَّهُ لَحَقٌّ} أي ما توعدون حق ثابت. {مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} أي مثل نطقكم، فكما أنه لا شك في أنكم تنطقون، لا شك في تحقق ذلك.
سبب نزول الآية (١٩):
{وَفِي أَمْوالِهِمْ..}.: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الحنفية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية، فأصابوا وغنموا، فجاء قوم بعد ما فرغوا-لم يشهدوا الغنيمة-، فنزلت:{وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
قال ابن كثير: وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية، وليس كذلك، بل هي مكية