للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أحيان أخرى، حيث أغرقهم بسيل متلاحق من النعم، فهم متقلّبون غير ثابتين، لا يدومون على حالة واحدة، وذوو نظر قاصر على الحال دون المآل أو الماضي.

تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عما يلقاه من الإعراض عن دعوته{فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)}

البلاغة:

{فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى} استعارة تصريحية، شبه الكفار بالموتى وبالصم في عدم سماعهم سماع تدبر ووعي العظات والعبر والأدلة على صدق الرسالة النبوية.

المفردات اللغوية:

{لا تُسْمِعُ الْمَوْتى} أي سماع تدبر واتعاظ‍؛ لأنهم سدّوا عن الحق مشاعرهم. {إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} قيّد عدم السماع به ليكون أشد استحالة، فإن الأصم إذا أقبل على السماع، وإن لم يسمع الكلام، استفاد منه بواسطة الحركات على اللسان بعض الأشياء.

{الْعُمْيِ} سمى الكفار عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الإبصار. {إِنْ تُسْمِعُ} أي ما تسمع سماع إفهام وقبول إلا المؤمنين؛ لأن إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ‍ وتدبر المعنى.

{بِآياتِنا} القرآن. {فَهُمْ مُسْلِمُونَ} مخلصون منقادون لما تأمرهم به.

المناسبة:

بعد بيان أدلة التوحيد والبعث، ومهام الرسل، والوعد والوعيد، والإعراض عن دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، سلاّه ربه عما يراه من تماد في الإعراض وعناد، فهم أشبه بالموتى والصمّ والعمي، لعدم استعدادهم لسماع أدلة الهداية سماع تدبر واتعاظ‍، وقد رتب المشبه بهم على حسب مدى الإعراض، فإرشاد الميت محال،

<<  <  ج: ص:  >  >>