والبلاغة الإتيان بمثله، وبما أنهم قد عجزوا، فيدل ذلك على أنه كلام الله، فحكمتها بيان إعجاز القرآن، وتنبيه السامع إلى ما سيلقى إليه من أحكام.
والغالب أن السور التي بدئت بها وبذكر الكتاب مثل:«مريم والعنكبوت والروم وص ون» هي سور مكية لدعوة المشركين إلى الإسلام وإثبات النبوة والوحي. وأما السور المدنية التي بدئت بها كالبقرة وآل عمران (الزهراوين) فالدعوة فيها موجهة إلى أهل الكتاب.
{حَرَجٌ} ضيق {مِنْهُ} من تبليغه، مخافة أن يكذبك الناس {لِتُنْذِرَ} متعلق بأنزل أي للإنذار به {وَذِكْرى} تذكرة نافعة وموعظة حسنة مؤثرة. {قَلِيلاً ما}{ما} حرف يؤكد معنى القلة {تَذَكَّرُونَ} أصله: تتذكرون.
التفسير والبيان:
بدأ الله تعالى هذه السورة المكية بالحروف الأبجدية المقطعة كغيرها من السور التي نزلت بمكة لإثبات النبوة والوحي.
هذا القرآن كتاب عظيم الشأن، أنزل إليك يا محمد من عند ربك، بقصد الهداية والخير، ووصفه بالإنزال للدلالة على عظيم قدره وقدر من أنزل عليه. فلا يكن في صدرك ضيق من الإنذار به وتبليغه للناس، وتذكير أهل الإيمان به ذكرى تنفعهم وتؤثر فيهم.
ومن المعلوم أن كل نبي ومصلح يلقى عادة إيذاء ومقاومة لدعوته، وصدودا وإعراضا عن رسالته، وما على الداعية إلا الصبر والمثابرة ومتابعة الطريق:
{فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف ٣٥/ ٤٦]. لذا كان المراد من هذا النهي شد العزيمة والاجتهاد في مقاومة الصعاب، وتحمل الشدائد، انتظارا لما عند الله على ذلك من وعد بالخير والفضل.
وبما أن هذا الكتاب ذو مهام خطيرة، فقد خاطب الله تعالى العالم بقوله:
اتبعوا أيها الناس ما أنزل إليكم من ربكم رب كل شيء ومليكه وخالقه ومدبره وراعيه، فهو وحده صاحب الحق في التشريع وفرض العبادات والتحليل