للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكثرتهم انهزموا، ثم في حال الانهزام لما تضرعوا إلى الله قواهم حتى هزموا عسكر الكفار، وهو يدل على أن الإنسان متى اعتمد على الدنيا فاته الدين والدنيا، ومتى أطاع الله ورجح الدين على الدنيا، آتاه الله الأمرين معا على أحسن الوجوه، فكان ذكر ذلك تسلية عن مقاطعة الآباء ومن عداهم، لمصلحة الدين، وإعلاما للمؤمنين ليتذكروا أن عنايته تعالى لهم بالقوة المعنوية، لا بالكثرة العددية.

قال مجاهد: هذه أول آية نزلت من براءة يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم، وإحسانه لديهم في نصره إياهم، في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله، وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره، لا بعددهم ولا بعددهم، ونبههم على أن النصر من عنده، سواء قل الجمع أو كثر، فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم، ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا، فولوا مدبرين إلا القليل منهم، مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه، ليعلمهم أن النصر من عنده تعالى وحده، وبإمداده، وإن قل الجمع، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين.

أضواء من التاريخ على وقعة حنين:

كانت هوازن قوة كبيرة بعد قريش، وكانت تنافسها، فلما بلغها فتح مكة، نادى سيدهم مالك بن عوف النصري بالحرب، واجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها، ونصر وجشم كلها، وسعد بن بكر، وأجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وساق مع جيشه أموالهم ومواشيهم ونساءهم وأولادهم، وزعم أن ذلك يحمي نفوسهم به، ويقوي شوكتهم، وكان على ثقيف كنانة بن عبيد، وشهد الحرب دريد بن الصمة، وكان شيخا كبيرا، له رأي وحكمة، ونزلوا بأوطاس: واد في ديار هوازن عند الطائف، كانت فيه وقعة حنين.

ولما علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمرهم، خرج إليهم، وكان معه إثنا عشر ألفا من

<<  <  ج: ص:  >  >>