بعد أن نهى الله سبحانه في الآيات السالفة عن الاستماع لنصح اليهود ورفض آرائهم، ذكر هنا وجه العلّة، وهي أنهم يحسدون المسلمين على نعمة الإسلام ويتمنون أن يحرموا منها، فهم لا يكتفون بكفرهم بالنبي والكيد له ونقض العهود، وإنما يتمنون أن يرتد المسلمون عن دينهم.
التفسير والبيان:
تمنى كثير من اليهود والنصارى أن يصرفوا المسلمين عن دينهم وأن يعودوا كفارا بعد أن كانوا مؤمنين، حسدا لهم، عن طريق التشكيك في الدين وإلقاء الشبه على المؤمنين، وطلب بعضهم من بعض أن يؤمنوا أوّل النهار ويكفروا آخره، ليتأسى بهم بعض ضعاف الإيمان.
وسبب ذلك: الحسد الكامن والخبث الباطن في نفوسهم، لا ميلا مع الحق، ولا رغبة فيه. ومدعاة التمني: هو ما ظهر لهم بالدليل الواضح أن الإسلام دين الحق الصحيح، وأن محمدا على الحق، فاعفوا عنهم أيها المسلمون واصفحوا عن أفعالهم، واصبروا حتى يأتي نصر الله لكم، ويأذن الله بالقتال، ويأتي أمره فيهم:
وهو قتل بني قريظة، وإجلاء بني النضير وإذلالهم، والله هو القادر على تحقيق النصر:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج ٤٠/ ٢٢].
ثم نبّه الله سبحانه إلى بعض وسائل النصر الذي وعدوا به: وهو أداء الصلاة كاملة الأركان، تامة الأوصاف، وأداء الزكاة للفقراء، ففي الصلاة تتوطد دعائم الإيمان، وتتقوى الصلة بالله والثقة به، وتتوثق روابط الأخوة بالاجتماع في المساجد، وفي الزكاة تتحقق سعادة المجتمع بإغناء الفقراء، وتتجلى وحدة الأمة بتكافل أبنائها، وتعاضد فئاتها، وثواب كل ذلك مرصود لكم في الآخرة، فكل ما تعملونه من خير، تجدون جزاءه الكامل عند ربكم: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ