للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسعوا بينكم بالنمائم وإفساد ذات البين، يقال: وضع البعير وضعا: إذا أسرع، وأوضعته أنا. فيه استعارة تبعية حيث شبه سرعة إفسادهم ذات البين بالنميمة بسرعة سير الراكب، ثم أستعير لها الإيضاع وهو للإبل.

المفردات اللغوية:

{وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ} معك {لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} أهبة من السلاح والزاد، فالعدة: هي ما يعده الإنسان ويهيئه لما يفعله في المستقبل، وهو نظير الأهبة {وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ} استدراك عن مفهوم قوله: {وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ} كأنه قال: ما خرجوا، ولكن تثبطوا، لأنه تعالى كره انبعاثهم، أي نهوضهم للخروج {فَثَبَّطَهُمْ} فحبسهم وعوقهم بالجبن والكسل {وَقِيلَ:}

{اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ} تمثيل لإلقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم، أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود، أو حكاية قول بعضهم لبعض، أو إذن الرسول لهم، والقاعدين يحتمل المعذورين وغيرهم، وعلى الوجهين لا يخلو عن ذم {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ} بخروجهم شيئا {إِلاّ خَبالاً} فسادا وشرا ونميمة وزرع الاختلاف، وأصل الخبال: مرض في العقل كالجنون، ينشأ عنه اضطراب في الرأي وفساد في العمل. وهذا ليس من الاستثناء المنقطع في شيء، كما يقولون؛ لأن الاستثناء المنقطع:

هو أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه، كقولك: ما زادوكم خيرا إلا خبالا، والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من أعمّ العام الذي هو الشيء، فكان استثناء متصلا؛ لأن الخبال بعض أعم العام، كأنه قيل: ما زادوكم شيئا إلا خبالا.

{وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} أسرعوا بالمشي بينكم بالنميمة {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم أو الرعب في قلوبكم، و {الْفِتْنَةَ}: التشكيك في الدين والتخويف من الأعداء. وخلال الأشياء: ما يفصل بينها من الفرجة ونحوها.

{وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ} أي فيكم قوم ضعاف يسمعون قول المنافقين ويطيعونهم، أو فيكم نمامون يسمعون حديثكم وينقلونه إليهم {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ} أي لقد طلبوا وأرادوا لك تشتيت أمرك وتفريق أصحابك من قبل، أول ما قدمت المدينة، يعني يوم أحد، فإن عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين، كما تخلفوا عن تبوك، بعد ما خرجوا مع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم إلى ذي جدّة أسفل من ثنية الوداع (١)، انصرفوا يوم أحد {وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ} أجالوا الفكر في تدبير المكايد والحيل لك، ونظروا في إبطال دينك وأمرك {حَتّى جاءَ الْحَقُّ} النصر والتأييد الإلهي {وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ} علا دينه وغلب شرعه {وَهُمْ كارِهُونَ} أي على رغم منهم.


(١) الثنية: الطريق في الجبل كالنقب، والوداع: واد بمكة، وثنية الوداع منسوبة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>