والقياس: اقتتلتا، كما قرأ ابن أبي عيلة، أو اقتتلا كما قرأ عبيد بن عمير، على تأويل الرهطين أو النفرين، وإنما قال: اقتتلوا في قراءة حفص حملا على المعنى دون اللفظ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس، فكل طائفة جماعة، والطائفة أقل من الفرقة.
البلاغة:
{اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما} بينهما طباق.
{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} بينهما جناس الاشتقاق.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} تشبيه بليغ، حذف منه وجه الشبه وأداة التشبيه، وأصله المؤمنون كالإخوة في التراحم.
{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} وضع الظاهر موضع الضمير مضافا إلى المأمورين للمبالغة في التقرير والتحضيض.
المفردات اللغوية:
{طائِفَتانِ} تثنية طائفة: الجماعة من الناس {اِقْتَتَلُوا} جمع الفعل، لأن الطائفتين في معنى القوم أو الناس، أو لأن أقل الجمع اثنان. {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما} بالنصح والدعوة إلى حكم الله، وامنعوهما عن القتال بالنصيحة أو بالتهديد والتعذيب {بَغَتْ} تعدت وتجاوزت الحد وجارت، من البغي: الظلم {تَفِيءَ} ترجع {إِلى أَمْرِ اللهِ} الحق {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ} أزيلوا آثار النزاع بضمان المتلفات بالإنصاف {وَأَقْسِطُوا} اعدلوا في كل الأمور من الإقساط: إزالة القسط وهو الجور، والقاسط: الجائر، كما في آية:{وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}[الجن ١٥/ ٧٢] يقال: أقسط: عدل، وقسط: أخذ حق غيره، والمقسط: العادل {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} العادلين، أي يحمد فعلهم بحسن الجزاء.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} في الدين والعقيدة والإيمان الموجب للحياة الأبدية، فالأخوة في الدين أقوى وأدوم من أخوة النسب والصداقة، وهو تعليل للأمر بالإصلاح، لذا كرر الإشارة إلى الإخاء مرتبا عليه الأمر بالإصلاح، فقال:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} إذا تنازعا، وخص الاثنين بالذكر، لأنهما أقل من يقع بينهم الشقاق، وقرئ: إخوتكم وإخوانكم {وَاتَّقُوا اللهَ} في مخالفة حكمه والإهمال فيه {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} على تقواكم.