والمتأخر أو هذا الغفران، إنما هو لمن اتّقى (١) الله وترك ما نهى عنه، فلم يلبس حجه بالمظالم والمآثم، لأنه هو الحاج الحقيقي، لأن الغرض من كل عبادة هو التقوى، كما قال الله تعالى:{إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة ٢٧/ ٥].
وتحقيق التقوى: بذكر الله بالقلب واللسان ومراقبته في جميع الأحوال. ثم أمر الله بالتقوى فقال:{وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي واتّقوا الله حين أداء مناسك الحج، وفي جميع الأحوال، ثم أكّد الأمر بالتقوى فقال: واعلموا أنكم ستجمعون وتبعثون للحساب والجزاء على أعمالكم يوم القيامة، والحشر: من ابتداء الخروج من الأجداث إلى انتهاء الموقف، والعاقبة للمتّقين، والعاقبة للتقوى، قال الله تعالى:{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا}[مريم ٦٣/ ١٩]، وقال أيضا:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ}[الانفطار ١٩/ ٨٢].
ومن علم أنه محاسب على أعماله، التزم العمل الصالح، واتقى ربّه، وقد كرّر الأمر بذكر الله وبالتقوى، للإرشاد بأن المهم في العبادة هو إصلاح النفس وفعل الخير، والبعد عن الشر والمعاصي. وأما من ظن أو شك في المصير المحتوم فيعمل تارة ويترك أخرى.
ولما ذكر الله تعالى النفر الأول من عرفات، والنفر الثاني بعد إنهاء المناسك وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف قال:{وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، كما قال:{هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الملك ٢٤/ ٦٧].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت آية {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ.}. على جواز التجارة في الحج للحاج، مع
(١) اللام من قوله لِمَنِ اتَّقى متعلقة بالغفران على تفسير ابن مسعود وعلي، التقدير: المغفرة لمن اتقى. وروي عن ابن عمر: التقدير: الإباحة لمن اتقى. وقيل: السلامة لمن اتقى.