{فَلَمّا أَلْقَوْا.}. أي فلما ألقوا ما عندهم من الحبال والعصي قال موسى واثقا غير مبال بهم: ما أتيتم به هو السّحر بعينه، لا ما سمّاه فرعون سحرا مما جئت به من الآيات والمعجزات من عند الله. وهذا السّحر الذي أظهر تموه إن الله سيمحقه وسيظهر بطلانه قطعا أمام الناس، بما يفوقه من المعجزة التي هي آية خارقة للعادة تفوق السّحر وأشكاله المختلفة.
ثم علل ذلك بقوله:{إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} أي لا يثبّته ولا يقويه، ولا يجعله صالحا للبقاء، {وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ} أي ويريد الله أن يؤيّد الحقّ ويظهره، ويثبته ويقويه، وينصره على الباطل بأوامره ووعده موسى، وقيل: بما سبق من قضائه وقدره. {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} أي ولو كره المجرمون الظالمون كفرعون وملئه ذلك، أي نصر الحقّ على الباطل. وفي آية أخرى:{فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف ١١٨/ ٧]، وقوله تعالى:{إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ، وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى}[طه ٦٩/ ٢٠].
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه مبارزة بين الحقّ والباطل، بين المعجزة والسّحر، فالمعجزة آية إلهية خارقة للعادة يؤيّد الله بها صدق الأنبياء لإقناع الناس وتصديق دعوتهم. وأمّا السّحر فهو إفساد وتمويه وتزييف لا حقيقة له، فلم يستطع الصمود أمام الشيء الحقيقي الثابت الذي لا تمويه فيه.
وهذا المعنى هو ما تضمنته آية:{إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} أي لا يضرّ أحدا كيد ساحر. لذا قال العلماء: لا تكتب على مسحور إلا دفع الله عنه السحر.