{أَنِّي أَخْلُقُ} أصور، والخلق: التصوير والتكوين على مقدار معين، لا الإنشاء والاختراع {كَهَيْئَةِ} مثل صورة الطير {الْأَكْمَهَ}: من ولد أعمى {الْأَبْرَصَ}: الذي به برص أي بياض في الجلد يتطير به {بِإِذْنِ اللهِ} بإرادته.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى قصة زكريا ويحيى أقارب عيسى، وذكر قصة أمه، ناسب أن يذكر قصة عيسى وكيفية ولادته.
التفسير والبيان:
اذكر يا محمد لقومك وقت أن قال جبريل من الملائكة: إن الله يبشرك يا مريم بعيسى الموصوف بالكلمة على معنى: نبشرك بمكون منه أو بموجود من الله، إيذانا بأنه خلق خلقا غير عادي، استحق أن يوصف بهذه الصفة، وإن كان في الواقع أن جميع الكائنات وجدت بكلمة الله كما ذكر عقب خلق عيسى بقوله:{إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ} وذكر في مكان آخر:
{إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ}[يس ٨٢/ ٣٦] لكن في العرف تنسب الأشياء الأخرى إلى الأسباب العادية، وأطلق اسم الكلمة على عيسى مجازا كما قال تعالى:{وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ}[النساء ١٧١/ ٤].
والمراد من الملائكة هنا جبريل، لقوله تعالى:{فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا، فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا}[مريم ١٧/ ١٩] وذكر بلفظ الجمع؛ لأنه رئيسهم.
اسمه المسيح الذي جاء لرفع الظلم وهداية الناس وإشاعة الأخوة الصادقة فيما بينهم، وكانت مملكته روحانية لا جسدية. والمسيح: لقب الملك عندهم، فهو من ألقاب المدح. وقال القرطبي: معناه الصدّيق.
وإنما قيل: ابن مريم، مع أن الخطاب لها، إشارة إلى أنه ينسب لها، لولادته من غير أب، وليظل هذا الوصف ثابتا مقررا في الأذهان في كل زمان،