{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً} أي ألم تعلموا أيها الناس دلائل التوحيد الناطقة بوحدانية الله سبحانه في كل شيء، وإنعامه عليكم، فهو الذي ذلل لكم جميع ما في السموات من شمس وقمر ونجوم، تستضيئون بها في الليل والنهار، وما خلق فيها من سحاب ينزل منه المطر، لسقي الإنسان والحيوان والنبات، ويسر لكم جميع ما في الأرض من قرار ومعادن، وأنهار وبحار، وأشجار وزروع، وثمار، ونحو ذلك من المنافع الغذائية، وأكمل وأتم عليكم نعمه الظاهرة والباطنة أي المحسوسة والمعقولة، المعروفة وغير المعروفة، ومنها إنزال الكتب وإرسال الرسل، وإزالة الشّبه والعلل والأعذار.
وقيل: الظاهرة: الإسلام، والباطنة: الستر؛
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس -وقد سأله عن هذه الآية-: «الظاهرة: الإسلام وما حسن من خلقك، والباطنة: ما ستر عليك من سيء عملك».
وقيل: الظاهرة: ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال في الناس، وتوفيق الطاعات، والباطنة: ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله، وحسن اليقين، وما يدفع عن العبد من الآفات.
ومع هذا كله، ما آمن الناس كلهم، فقال تعالى:
{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلا هُدىً، وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ} أي وبالرغم من ثبوت الألوهية بالخلق والإنعام، فهناك فريق من الناس يجادل في توحيد الله وصفاته وإرساله الرسل، كزعماء الوثنية في مكة وغيرها، بغير دليل معقول، ولا مستند أو حجة صحيحة على يد رسول، ولا كتاب مأثور صحيح ينير الطريق الحق.