المشركون في الحقيقة، فيتبرأ كل معبود ممن عبده، ولكن لا أمل في النجاة حين رؤية العذاب، وانقطاع الصلات والأنساب والحيل وأسباب الخلاص، ولا معدل ولا مصرف عن النار حينئذ. وقال التابعون: نتمنى أن تكون لنا رجعة إلى الدنيا، فنتبرأ منهم، كما تبرأوا منا، وتركونا في الشدة والضلال.
مثل ذلك الذي رأوه من العذاب، يريهم الله جزاء أعمالهم حسرات عليهم، أي أن الله يظهر لهم أن أعمالهم كان لها أسوأ الأثر في نفوسهم، لما ورّثته فيها من حسرة وشقاء وخسران، فهي تذهب وتضمحل، ولن يخرجوا من النار إلى الدنيا لشفاء كيدهم وغيظهم من رؤسائهم، لأن دخولهم النار كان بسبب الشرك وحب الأنداد.
فقه الحياة أو الأحكام:
إن أعظم جريمة عند الله هي الشرك به:{إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}[النساء ٤٨/ ٤]
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال:«أن تجعل لله ندا وهو خلقك».
ومما يؤسف له ويدهش العقلاء أن المشركين الذين يتخذون آلهة مع الله من رؤساء أو أصنام يحبون أصنامهم على الباطل كحب المؤمنين لله على الحق، وحبهم لأصنامهم وعبادتهم إياهم مع عجزهم كحب المؤمنين لله مع قدرته.
ولو عاين المشركون العذاب، لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعا، أي أن الحكم له وحده لا شريك له، وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه، علما بأن عذاب الله شديد.
وقد كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم بذلك، ولكنه خوطب، والمراد أمته، فإن فيهم من يحتاج إلى تقوية علمه بمشاهدة مثل هذا.