بعد أن بيّن الله تعالى ما حلّ بالأمم السّابقة المكذّبة لرسلها، من عذاب الاستئصال في الدّنيا، واستحقاق النّار في الآخرة، ذكر هنا سبب العذاب وهو أمران: الأول-أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض، والثاني-أن الظّالمين اتّبعوا طلب الشّهوات واللّذات، واشتغلوا بتحصيل الرّياسات.
والظّالمون: هم تاركو الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
التّفسير والبيان:
فهلا وجد من القرون، أي الأمم والأقوام الماضية الذين أهلكناهم بظلمهم وفسادهم جماعة أولو عقل ورأي وبصيرة وأهل خير ينهون عما كان يقع بينهم من الشّرور والمنكرات والفساد في الأرض. وهذا توبيخ للكفار.
لكن قد وجد قليل من هؤلاء، وهم الذين أنجاهم الله تعالى عند حلول غضبه وفجأة نقمته، قد نهوا عن الفساد في الأرض. فهذا استثناء منقطع، ولا يمكن جعله استثناء متّصلا، وإلا كان القليل من النّاجين غير مرغّبين في النّهي عن الفساد.
واتّبع الظّالمون أنفسهم، وهم الأكثرية ما أترفوا فيه من نعيم وعزّة وسلطان.
والمترف: الذي أبطرته النّعمة وسعة المعيشة. والمراد بالذين ظلموا: تاركو النّهي عن المنكر. واتّباعهم التّرف: اشتغالهم بالشّهوات والمال واللّذات والرّياسات، واستمرارهم على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات، وعدم التفاتهم إلى إنكار المصلحين منهم، وإيثار الترف على الآخرة.
{وَكانُوا مُجْرِمِينَ} أي والحال أنهم كانوا ظالمين. فالله تعالى لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها، كما قال تعالى:{وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}[هود ١٠١/ ١١]، وقال تعالى:{وَما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصّلت ٤٦/ ٤١].