ثمّ بيّن تعالى عدله وسنّته في المصلحين، فقال تعالى:{وَما كانَ رَبُّكَ} أي ليس من شأن الله تعالى أن يهلك أهل القرى، ظالما لها، وأهلها قوم مصلحون، تنزيها لذاته تعالى عن الظّلم، وإيذانا بأن إهلاك المصلحين من الظّلم. وقيل الظّلم: الشّرك، ومعناه: أنه لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها، وهم مصلحون في المعاملات فيما بينهم، أو في أمورهم الاجتماعية، يتعاطون الحقّ فيما بينهم، ولا يضمون إلى شركهم فسادا آخر، أي لا ينزل عذاب الاستئصال لأجل كون القوم مجرّد كونهم معتقدين للشّرك والكفر، بل إنما ينزل العذاب إذا أساؤوا في المعاملات، وسعوا في الإيذاء والظّلم، كما فعل قوم شعيب، وقوم هود، وقوم فرعون، وقوم لوط. ويؤيده أنّ الأمم تبقى مع الكفر، ولا تبقى مع الظّلم.
ثم أخبر الله تعالى أنه قادر على جعل الناس أمة واحدة من إيمان أو كفر، فقال تعالى:{وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ.}. قال الزّمخشري معبّرا عن مذهب المعتزلة:
يعني لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل ملّة واحدة، وهي ملّة الإسلام، كقوله تعالى:{وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً}[المؤمنون ٥٢/ ٢٣]. فهم يحملون الآية على مشيئة الإلجاء والإجبار، والمراد نفي الاضطرار، وأنه لم يقهرهم على الاتّفاق على دين الحقّ، ولكنه مكّنهم من الاختيار الذي هو أساس التّكليف، فاختار بعضهم الحقّ، وبعضهم الباطل، فاختلفوا، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك أي إلا أناسا هداهم الله ولطف بهم، فاتّفقوا على دين الحقّ غير مختلفين فيه.
ويرى أهل السّنّة: أن الآية بيان لقدرة الله تعالى على جعل الناس كلهم على