لا يثبت الإنسان غالبا على العهد، ولا يفي بالوعد، ولا يستقرّ على حال الاستقامة، فتراه بطبعه غدارا خائنا، يلجأ إلى الله وقت الشدة والخوف، وينسى الله بعد النجاة، ويعود إلى ضلالة وجهله. والواجب الذي يمليه العقل والوفاء بالجميل والإخلاص أن يستمر الإنسان على أصل العقيدة الصحيحة والإيمان الحق والعبادة لمن أنعم عليه بجلائل النعم ودقائقها، لا سيما في أحوال الأزمات والمحن.
وهذه حال من الأحوال التي ذكرتها الآية: وهي إذا أخطأتم الطريق وخفتم الهلاك ودعوتم الله، وأقسمتم: لئن أنجانا الله من هذه الشدائد، لنكونن من الطائعين المستقيمين.
وهذا توبيخ من الله لأولئك المشركين في دعائهم إياه عند الشدائد، ثم يدعون معه غيره في حالة الرخاء، كما قال:{ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ}.
إنه مثل ضربه الله، بقصد التقريع والتوبيخ لمن تعهد بالإيمان ونبذ الشرك؛ لأن الحجة إذا قامت بعد المعرفة، وحب الإخلاص، والمشركون قد جعلوا بدلا منه وهو الإشراك، فحسن أن يقرّعوا ويوبخوا على هذا المنهج، وإن كانوا مشركين قبل النجاة.
وفي الآية إيماء إلى أن من أشرك في عبادة الله تعالى غيره، فهو لم يعبده؛ لأن شرط العبادة الإخلاص، والتوحيد أساس العبادة.
والآية صريحة بأنه إذا شهدت الفطرة السليمة والخلقة الأصلية في وقت المحنة بأنه لا ملجأ إلا إلى الله، ولا تعويل إلا على فضل الله، وجب أن يبقى هذا الإخلاص عند كل الأحوال والأوقات؛ إذ لا يقبل عقلا أن يأتي الإنسان بأمور