{وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ} وثانيها-قوله:{نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ} وثالثها-قوله:{وَوَهَبْنا لَهُ.}. أي أنه جعله عزيزا في الدنيا؛ لأنه تعالى جعل أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل من نسله ومن ذريته، وأبقى هذه الكرامة في نسله إلى يوم القيامة.
التفسير والبيان:
أكرم الله نبيه إبراهيم عليه السلام، فوهب له إسحاق، بعد أن كبر في السن، وأيس هو وامرأته «سارة» من الولد، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط، فبشروهما بإسحاق، فتعجبت المرأة من ذلك وقالت:{يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ، وَهذا بَعْلِي شَيْخاً، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ. قالُوا: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ؟ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}[هود ٧٢/ ١١ - ٧٣].
بشروهما أيضا بنبوته، وبأن له نسلا وعقبا، كما قال تعالى:{وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ}[الصافات ١١٢/ ٣٧] وهذا أكمل في البشارة، وأعظم في النعمة، وقال:{فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ}[هود ٧١/ ١١].
وكان هذا مجازاة ومكافأة لإبراهيم عليه السلام حين اعتزل قومه وتركهم، ونزح عنهم، وهاجر من بلاده ذاهبا إلى عبادة الله في الأرض، فعوضه الله عز وجل عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صلبه، على دينه، لتقرّبهم عينه، كما قال تعالى:{فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا}[مريم ٤٩/ ١٩] وقال هاهنا: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، كُلاًّ هَدَيْنا} أي جعلنا له إسحاق ويعقوب ولدين صالحين ومن الأنبياء، وهدينا كلا منهما كلا هدينا إبراهيم بالنبوة والحكمة والفطنة إلى الحجة الدامغة.