وحيث ظهر العجز فعلا، فارجعوا إلى الحق، والإيمان بالقرآن، والتصديق برسالة النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، ففي ذلك وحده النجاة من عذاب الله في النار التي وقودها الناس الكفار والحجارة (الأصنام) مادة الاشتعال، فهي لا يماثلها أعلى فرن ناري عالي التوتر لصهر الحديد وغيره من المواد الصلبة، ولا تقدّر درجات حرارتها بأفران الدنيا على الإطلاق، وقد أعدها الله وهيأها للكافرين الجاحدين المنكرين رسالة الإسلام، جزاء وفاقا لكفرهم وجحودهم. قال تعالى:{إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ}[الأنبياء ٩٨/ ٢٩].
والخلاصة: إذا بان العجز التام عن الإتيان بمثل أقصر سورة من القرآن، مع المحاولة وبذل الجهود واستمرار التحدي في المستقبل، فاحذروا العناد، واعترفوا بكون القرآن من عند الله، لئلا تكونوا مع أصنامكم وقودا لنار جهنم التي أعدت لأمثالكم الكافرين.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت آية {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ.}. على صحة نبوة نبيّنا عليه الصلاة والسلام من وجوه:
[الوجه الأول]
- أنه تحداهم بالإتيان بمثل القرآن، وقرّعهم بالعجز عنه، مع ما هم عليه من الأنفة والحميّة، وأنه كلام موصوف بلغتهم، فلو قدروا على معارضته لكانت معارضته أبلغ الأشياء في إبطال دعواه وتفريق أصحابه عنه.
فلما ظهر عجزهم عن معارضته، دلّ ذلك على أن القرآن من عند الله الذي لا يعجزه شيء، وأنه ليس في مقدور العباد مثله. وهذه معجزة باقية لنبيّنا عليه الصلاة والسلام بعده إلى قيام الساعة، وقد كانت هذه المعجزة تتناسب مع اعتزاز العرب بالفصاحة والبلاغة بما لم يتهيأ لغيرهم، فجعل الله تعالى آية محمد الكبرى كتابا معجزا لهم ولسائر الخلق في نظمه وأسلوبه، وفصاحته وبلاغته،