اذكر يا محمد لقومك قصة خلق أبيهم آدم، حين قال الله للملائكة: إني متخذ في الأرض خليفة، يقوم بعمارتها وسكناها، وينفذ أحكامي فيها بين الناس، وتتعاقب الأجيال من بعده في مهامه كلها حتى يعمر الكون، فتساءل الملائكة متعجبين ومستعلمين: كيف تستخلف هذا الخليفة؟ وفي ذريته من يفسد في الأرض بالمعاصي ويريق الدماء بالبغي والعدوان، لأن أفعالهم عن إرادة واختيار، وقد خلقوا من طين، والمادة جزء منهم، ومن كان كذلك فهو إلى الخطأ أقرب.
فكيف تجعل-على سبيل التعجب والتعلم، لا الاعتراض والحسد-مكان أهل الطاعة أهل المعصية، وأنت الحكيم الذي لا يفعل إلا الخير، ولا يريد إلا الخير؟ فإن قلت: من أين عرفوا ذلك حتى تعجبوا منه، وإنما هو غيب؟ قلت: عرفوه بإخبار من الله، أو من جهة اللوح المحفوظ، أو ثبت في علمهم أن الملائكة وحدهم هم الخلق المعصومون، وكل خلق سواهم ليسوا على صفتهم، أو قاسوا أحد الثقلين وهم الإنس على الآخر وهم الجن، حيث أسكنوا الأرض، فأفسدوا فيها قبل سكنى الملائكة (١). أو أنهم عرفوا طبيعة المادة وفيها الخير والشر، وهو ما رجحناه أولا، ويقال: كان هناك نوع من الخلق في الأرض قبل آدم، أفسد وسفك الدماء، وسيحل هذا الخليفة محله، بدليل قوله تعالى:
{ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ}[يونس ١٤/ ١٠] فقاس الملائكة هذا الخليفة عليه.