ونحن الملائكة أولى بالاستخلاف، لأن أعمالنا مقصورة على تسبيحك وتقديسك وطاعتك، فأجابهم الله تعالى: إني أعلم من المصلحة في استخلافه ما هو خفي عنكم، وأعلم كيف تصلح الأرض، وكيف تعمر، ومن هو أصلح لعمارتها، ولي حكمة في خلق الخليقة لا تعلمونها. ولعل التنافس على المصالح بين الناس وتنازع البقاء، وحب الذات من أقوى الدواعي على تقدم الكون وتحضر العالم، فبالخير والشر تصلح الدنيا وتعمر، وبها تظهر حكمة إرسال الرسل، واختبار البشر، وجهاد النفس. وفي هذا إرشاد الملائكة أن يعلموا أن أفعاله تعالى في غاية الحكمة والكمال.
ثم عقد الرب سبحانه امتحانا للملائكة، لإظهار عجزهم، وإبطال زعمهم أنهم أحق بالخلافة من خليفته، بعد أن علّم آدم أسماء الأشياء والأجناس المادية من نبات وجماد وإنسان وحيوان، مما تعمر به الدنيا، ثم عرض مجموعة المسميات على الملائكة، أو عرض نماذج منها، أي عرض الأشخاص، لقوله تعالى:
{عَرَضَهُمْ} لأن العرض لا يصح في الأسماء، وقال لهم: أخبروني بأسماء هؤلاء، إن كنتم صادقين في ادعائكم أنكم أحق بالخلافة من غيركم، فعجزوا، وقالوا:
يا رب سبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم بكل شيء، الحكيم في كل صنع.
وفي هذا إشارة لتفضيل آدم على الملائكة واصطفائه، بتعليمه ما لم تعلمه الملائكة، فلا يكون لهم فخر عليه.
ثم قال المولى جل جلاله: أخبرهم يا آدم بأسماء الأشياء التي عجزوا عن علمها، واعترفوا بقصورهم عن معرفتها، فلما أخبرهم بكل أسماء تلك الأشياء، أدركوا السر في خلافة آدم وذريته، وأنهم لا يصلحون للاشتغال بالماديات، والدنيا لا تقوم إلا بها، إذ هم خلقوا من النور، وآدم خلق من الطين، والمادة جزء منه.