هذه القصة في سورة البقرة إجمالا في قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ}[٦٥] وأشير إليها في سورة النساء أيضا في الآيتين [١٥٤، ٤٧]. وذكرت قبل ذلك هنا في سورة الأعراف التي نزلت بمكة قبل ملاقاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أحدا من اليهود، للدلالة على الإعجاز؛ لأن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كان رجلا أميا، لم يتعلم علما، ولم يطالع كتابا، فإخباره بالقصة معجز، ودليل على أن ذلك من إخبار الله وكلامه.
وهناك فائدة أخرى من إيراد القصة: وهو التنبيه على أن الكفر بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم وبمعجزاته ليس شيئا جديدا حادثا في هذا الزمان، وإنما كان الكفر والإصرار حاصلا في أسلافهم من الزمان القديم.
أضواء من التاريخ على القصة:
روي أن اليهود أمروا باليوم الذي أمرنا به، وهو يوم الجمعة، فتركوه، واختاروا يوم السبت، فابتلوا به، وحرّم عليهم فيه الصيد وأمروا بتعظيمه، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرّعا بيضا سمانا، كأنها المخاض، لا يرى الماء من كثرتها، {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ}، فكانوا كذلك برهة من الدهر، ثم جاءهم إبليس، فقال لهم: إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا حياضا تسوقون الحيتان إليها يوم السبت، فلا تقدر على الخروج منها، وتأخذونها يوم الأحد.
وأخذ رجل منهم حوتا، وربط في ذنبه خيطا إلى خشبة في الساحل، ثم شواه يوم الأحد، فوجد جاره ريح السمك، فتطلع في تنوره، فقال له: إني أرى الله سيعذبك، فلما لم يره عذب، أخذ في السبت القادم حوتين، فلما رأوا أن العذاب لا يعاجلهم، صادوا وأكلوا، وملّحوا، وباعوا، وكانوا نحوا من سبعين ألفا.
فصار أهل القرية أثلاثا: ثلث نهوا وكانوا نحوا من اثني عشر ألفا، وثلث قالوا: لم تعظون قوما؟ وثلث هم أصحاب الخطيئة.