{وَإِلى مَدْيَنَ} أي وأرسلنا إلى مدين. والمراد أهل مدين، وهو بلد بناه مدين بن إبراهيم عليه السّلام، فسمي باسمه. {اُعْبُدُوا اللهَ} وحدوه. {إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ} بثروة، وسعة في الرزق، ونعمة تغنيكم عن التطفيف، أو أراكم بنعمة من الله تعالى، حقها أن تقابل بغير ما تفعلون، أو أراكم بخير، فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه. {وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ} إن لم تؤمنوا {عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} بكم، لا يشذ منه أحد منكم، يهلككم، ووصف اليوم به مجاز، لوقوعه فيه.
{أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ} أوفوهما بالعدل، أمر بالإيفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيها على أنه لا يكفيهم الكف عن تعمد التطفيف، بل يلزمهم السعي في الإيفاء، ولو بزيادة لا يتأتى دونها. {وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ} لا تنقصوا من حقهم شيئا. {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي تفسدوا، بنقص الحق أو القتل أو غيره كالسرقة والغارة، وكل من الجملتين الأخيرتين تعميم بعد تخصيص، فقوله:{لا تَبْخَسُوا} أعم من أن يكون في المقدار أو في غيره. وقوله:
{لا تَعْثَوْا} يعمّ العثو تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد.
{بَقِيَّتُ اللهِ} رزقه الباقي لكم بعد إيفاء الكيل والوزن، أو ما أبقاه الله لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم {خَيْرٌ لَكُمْ} من البخس ومما تجمعون بالتطفيف {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} بشرط أن تؤمنوا، فإن ثواب الفعل الصالح والنجاة مشروط بالإيمان {وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أحفظكم عن القبائح، أو رقيب أحفظ عليكم أعمالكم، فأجازيكم عليها، وإنما أنا نذير ناصح مبلّغ، وقد أعذرت حين أنذرت.
{قالُوا: يا شُعَيْبُ} قالوا له استهزاء. {أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا} من الأصنام، أجابوا به بعد أن أمرهم بالتوحيد. {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا} معطوف على {ما}، أي: وأن نترك فعلنا ما نشاء بأموالنا، والمعنى: هذا أمر باطل لا يدعو إليه داع بخير، وقصدوا الاستهزاء بصلاته، وكان شعيب كثير الصلوات، فخصوا الصلاة بالذكر، وقالوا: إن دعوتك لا يؤيدها داع عقلي، وإنما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه من الصلاة. {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} قالوا ذلك استهزاء، وتهكموا به وقصدوا وصفه بضد ذلك. والحليم: العاقل المتأني، والرشيد: المستقيم على الهداية الراسخ فيها.
{قالَ: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} إشارة إلى ما آتاه الله من العلم والنبوة.
{وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً} ضمير {مِنْهُ} عائد إلى الله، وذلك إشارة إلى ما آتاه الله من الحلال، فهل أشوبه بالحرام، من البخس والتطفيف. وجواب الشرط محذوف تقديره: فهل يعقل لي مع هذه السعادة الروحانية والجسمانية أن أخون في وحيه وأخالفه في أمره ونهيه؟! وهو اعتذار عما أنكروا عليه من تغيير المألوف والنهي عن دين الآباء. {إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ} أذهب إلى ما نهيتكم