يصلّون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى:{وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} الآية، قال: هذا حديث حسن صحيح.
فسمّى الصلاة إيمانا لاشتمالها على نيّة وقول وعمل. وقال محمد بن إسحاق:
{وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} أي بالتوجه إلى القبلة وتصديقكم نبيكم، قال القرطبي: وعلى هذا معظم المسلمين والأصوليين.
ثمّ ختم الله الآية بقوله:{إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} لإفادة التعليل لما قبلها، أي للطف رأفته وسعة رحمته نقلكم من شرع إلى شرع أصلح لكم وأنفع في الدين، أو لا يضيع إيمان من آمن، وهذا المعنى أظهر كما قال أبو حيان (١).
فقه الحياة أو الأحكام:
الإيمان الحقيقي أو التسليم التامّ لله يقتضي الإذعان لأوامر الله والخضوع لمشيئته واختياره، فإذا أمر الله بالاتّجاه في الصلاة نحو جهة معينة، ثم أمر بالتّحول عنها إلى جهة أخرى، امتثل المؤمن ذلك تمام الامتثال، ولم يخالجه أي شكّ في أوامر الله، ولم يعقب عليها، فالجهات كلّها لله، ولله ملك المشارق والمغارب وما بينهما، والعبرة إنما هي في تمحيض القصد والاتّجاه إلى الله تعالى، ولله أن يأمر بالتّوجه إلى أي جهة شاء، فلا داعي لتعليق الجهال وضعاف العقل والإيمان على تحويل المؤمنين من الشام إلى الكعبة. وقد تمّ تحويل القبلة بعد الهجرة إلى المدينة، قالوا كما في البخاري: حوّلت بعد ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا. وكان تحويلها-كما قال سعيد بن المسيّب-قبل غزوة بدر بشهرين.
وذلك في رجب من سنة اثنتين.
ودلّت هذه الآيات على أن في أحكام الله تعالى وكتابه ناسخا ومنسوخا،