عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد، فذكر: ومما أوصاكم به ربكم ألا تقتلوا أولادكم خشية فقر يحل بكم، فإن الله يرزقكم وإياهم، أي يرزقهم تبعا لكم، فلا تخافوا الفقر الحاضر، ولا تخشوا الفقر المتوقع، فإن الله تعالى تكفل برزق العباد، ونظير الآية قوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ، نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ، إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً}[الإسراء ٣١/ ١٧]. والفرق بين التعبيرين: أن تعبير سورة الأنعام يراد به: لا تقتلوهم من فقركم الحاصل، فبدأ برزق الآباء؛ لأنه الأهم بسبب وجود الفقر الحاصل، وأما تعبير سورة الإسراء فيراد: لا تقتلوهم خوفا من الفقر في الآجل المستقبل، فبدأ برزق الأولاد للاهتمام بهم، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم، فهو على الله. وفي هذا إيماء إلى ضرورة الحفاظ على النوع الإنساني، بتحريم إيذاء الأصول (الآباء) والفروع (الأنباء) ورعاية كل منهما، ثم تحريم قتل النفس الإنسانية مطلقا المنصوص عليه في الوصية الخامسة.
٤ - تحريم اقتراف الفواحش:
{وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ}: أي إياكم من الاقتراب من الفواحش وهي كل ما عظم جرمه وإثمه وقبحه من الأقوال والأفعال، كالزنى وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، سواء في الظاهر المعلن أو الباطن السري، وكان العرب في الجاهلية لا يرون بأسا في الزنى سرا، ويعدون الزنى علانية قبيحا، فحرم الله النوعين، وذلك مثل قوله تعالى:{قُلْ: إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ، ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف ٣٣/ ٧]. و
ورد في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن»
وقال سعد بن عبادة فيما رواه الشيخان: لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح (١)، فبلغ ذلك
(١) المصفح: الممال، جاء في الحديث: «قلب المؤمن مصفح على الحق» أي ممال عليه.