وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لما نزلت: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} الآية، اشتد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، فأنزل الله تعالى:{وَذَكِّرْ، فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
المناسبة:
بعد بيان الأدلة على الحشر، وعلى إثبات الوحدانية وعظيم القدرة الإلهية، وتذكير المشركين بإهلاك الأمم المكذبة السالفة، بيّن الله تعالى أن كل رسول كذّب، وكأن التكذيب بين الأمم شيء متواصى به من الجميع، والواقع أنهم قوم طغاة تجاوزوا حدود الله، لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم، علما بأنهم خلقوا لعبادة الله، لا لتحصيل المعايش والأرزاق، ثم ختمت السورة بتهديد مشركي مكة بعذاب مماثل العذاب من قبلهم من الأمم، والعذاب واقع بهم، لا شك فيه، ولا مردّ له.
التفسير والبيان:
{كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا: ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} أي كما كذبك قومك من العرب، ووصفوك بالسحر أو الجنون، فعلت الأمم المتقدمة التي كذبت رسلها، فهذا شأن الأمم في القديم، ولست أنت وحدك الذي كذّب.
وهذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن إعراض قومه، وحمله على الصبر وتحمل الأذى.
{أَتَواصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} هذا استفهام على سبيل التعجب والإنكار بمعنى النفي، فهو تعجيب من حالهم يراد به: كأنما أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب، وتواطؤوا عليه، أي هل أوصى بعضهم بعضا بهذه المقالة؟ والواقع أنهم لم يتواصوا بذلك لتباعد زمانهم، لكن هم قوم طغاة، جمعهم الطغيان: وهو مجاوزة الحد في الكفر، فقال متأخروهم كما قال متقدموهم.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ، فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ} أي أعرض عنهم أيها الرسول، وكفّ عن