الفتن، وإفشاء أسرار المؤمنين إلى الكفار، وإغرائهم بالمؤمنين، وتنفيرهم من اتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم، والكفر والصد عن سبيل الله.
{إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ} الصلاح ضد الفساد، أي ليس شأننا الإفساد أبدا، ولا شأن لنا إلا الإصلاح، وإنما نحن أناس مصلحون، بعيدون عن شوائب الإفساد، نسعى للخير والصلاح، باتباعنا رؤساءنا، وهكذا شأن المفسدين في كل زمان، يدّعون في إفسادهم أنه هو الإصلاح بعينه.
إذا قيل للمنافقين: إن مؤامراتكم الدنيئة ومخططاتكم الخبيثة بإثارتكم الفتن، والتجسس لحساب الكفار، وتأليب العرب على المسلمين فساد، قالوا: ليس الأمر كما تزعمون، فإنما نحن مصلحون، لا نبغي إلا الإصلاح، فرد الله عليهم بأنهم وحدهم هم المفسدون، ولكنهم لا يدركون خطورة عملهم، ولا يشعرون بهذا الإفساد، لأنه أصبح غريزة لهم، مركزة في طباعهم.
وكان المسلمون ينصحونهم بشتى الوسائل، ويدعونهم إلى الإيمان، كإيمان الذين أصغوا للعقل السليم، وسلكوا سبيل الرشاد كعبد الله بن سلام وأشباهه، فإذا قالوا لهم: ادخلوا في ساحة الإيمان كغيركم من الناس، أجابوا مترفعين:
أنؤمن بالقرآن وبمحمد، كما آمن السفهاء: أتباع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، ضعفاء الناس من العبيد والفقراء، وضعفاء العقل من الجهلاء؟ مع أن العاقل هو من يرى طريق الخير والنور أمامه فيسلكه. فرد الله عليهم بأنهم وحدهم هم السفهاء دون من نسبوهم إلى السفه، فليس عندهم إدراك صحيح للإيمان، ولا يعلمون حقيقته وأثره.
والسبب في أنه قيل في الإفساد:{لا يَشْعُرُونَ} والشعور: إدراك ما خفي، وفي الإيمان:{لا يَعْلَمُونَ} والعلم: اليقين ومطابقة الواقع: هو أن الإفساد في الأرض أمر محسوس، ولكن لا حسّ لهم حتى يدركوه، وأما الإيمان