ثم أنذر الله تعالى الأجيال الحاضرة والمستقبلة فقال:
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} أي ألم يتعظوا بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل كعاد وثمود، وأنهم لا رجعة لهم إلى الدنيا، خلافا لما يزعم الدّهرية الذين يعتقدون جهلا منهم أنهم يعودون إلى الدنيا كما كانوا فيها، كما حكى الله تعالى عنهم بقوله:{وَقالُوا: ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا، وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ.}. [الجاثية ٢٤/ ٤٥].
ثم أعلمهم أيضا بوجود الحساب والعقاب في الآخرة بعد عذاب الدنيا، فقال تعالى:
{وَإِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ} أي وإن جميع الأمم الماضية والآتية ستحضر للحساب يوم القيامة بين يدي الله عز وجل، فيجازيهم بأعمالهم كلّها خيرها وشرها، وهذا كقوله عز وجل:{وَإِنَّ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ}[هود ١١١/ ١١].
وهذا دليل على أنه ليس من أهلكه الله تركه، بل بعده جمع وحساب، وحبس وعقاب، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة، كما قال القائل:
ولو أنّا إذا متنا تركنا... لكان الموت راحة كل حيّ
ولكنا إذا متنا بعثنا... ونسأل بعده عن كل شيّ
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١ - إن تكذيب الرسل ما جاؤوا به من الحق يستدعي مزيد الألم والندامة والحسرة.
٢ - لا رجعة لأحد إلى الدنيا بعد الموت أو الإهلاك.
٣ - إن يوم القيامة يوم الجزاء والحساب والثواب والعقاب الدائم.