{السُّفَهاءُ} السّفه: اضطراب الرأي والفكر أو الأخلاق، والسفهاء: الجهال ضعفاء العقول، والمراد بهم هنا: منكر وتغير القبلة من اليهود والمشركين والمنافقين. {وَلاّهُمْ} صرفهم أي النّبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين. «القبلة» أصلها الحالة التي يكون عليها المقابل، ثم خصت بالجهة التي يستقبلها الإنسان في الصلاة، وهي قبلة المسلمين في الصلاة وهي جهة الكعبة المشرفة {لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} أي الجهات كلها، فيأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء. {صِراطٍ} طريق. {مُسْتَقِيمٍ} مستوي معتدل من الأفكار والأعمال، وهو ما فيه الحكمة والمصلحة، وهو دين الإسلام.
{وَسَطاً} الوسط: منتصف الشيء أو مركز الدائرة، ثم أستعير للخصال المحمودة، إذ كلّ صفة محمودة كالشجاعة وسط بين الطرفين: الإفراط والتفريط، والفضيلة في الوسط. والمراد: الخيار العدول الذين يجمعون بين العلم والعمل. {عَقِبَيْهِ} العقب مؤخّر القدم، يقال: انقلب على عقبيه عن كذا: إذا انصرف عنه بالرجوع إلى الوراء، وهو طريق العقبين، والمراد: يرتد عن الإسلام.
{إِيمانَكُمْ} صلاتكم إلى بيت المقدس، فإنها مسببة عن الإيمان، بل يثيبكم عليه، لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل. {بِالنّاسِ} المؤمنين. {لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ} في عدم إضاعة أعمالهم، والرأفة: شدّة الرحمة، وهي رفع المكروه وإزالة الضرر، والرحمة أعم، إذ تشمل دفع الضرر، وفعل الإحسان.
سبب النزول:
روى البخاري عن البراء قال: لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فصلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى:{قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} الآية [البقرة ١٤٤/ ٢]، فقال السفهاء من الناس وهم اليهود:{ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها}، قال الله تعالى:{قُلْ: لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} الآية.
وفي الصحيحين عن البراء: مات على القبلة قبل أن تحول رجال، فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله:{وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ}.