للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلّى الله عليه وسلم بالفاقة، وقالوا: {مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ} حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنزل: {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ}.

المناسبة:

هذه الآية إذن جواب عن قول المشركين: {مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ}. فيها أبان الله تعالى أن هذه عادة مستمرة من الله في كل رسله، فلا وجه للطعن.

التفسير والبيان:

{وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ} أي إن جميع الرسل المتقدمين كانوا بشرا يأكلون الطعام، للتغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك منافيا لحالهم ومنصبهم، أو يغضّ من شأنهم، وإنما امتيازهم في اتصافهم بالأخلاق الفاضلة، وقيامهم بالأعمال الكاملة، وتأييدهم بخوارق العادات أو بالمعجزات التي تدل كل عاقل على صدق رسالتهم وما جاؤوا به من عند ربهم، ومحمد صلّى الله عليه وسلم كغيره من الرسل في هذا.

ونظير الآية قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى} [يوسف ١٠٩/ ١٢] وقوله: {وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ} [الأنبياء ٨/ ٢١].

والمعنى: أن الرسول يكون من جنس المرسل إليهم، وليس الفقر عيبا، وليس العمل منقصا من قدر الشخص واعتباره، وإنما قيم الرجال بالآداب والأعمال.

{وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} أي اختبرنا بعضكم ببعض، وبلونا بعضكم

<<  <  ج: ص:  >  >>