انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق، ثم إنهم ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا، قتلناهم حتى إذا لم يبق إلا الشرذمة تركناهم، ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك، ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب، حتى رجعوا عما هموا به، وأنزل الله تعالى هذه الآية:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}.
المناسبة:
تستمر الآيات في تبيان عظات غزوة أحد والدروس المستفادة منها، فلما أمر الله تعالى بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء، حذّر من طاعة الكافرين وهم مشركو العرب واليهود والنصارى والمنافقون الذين تآمروا على الدعوة الإسلامية بتثبيط عزائم المؤمنين.
التفسير والبيان:
يحذر الله تعالى عباده المؤمنين من طاعة الكافرين والمنافقين، فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والآخرة، لذا قال: يا أيها المؤمنون إن تطيعوا الذين كفروا بدينكم وجحدوا نبوة نبيكم كأبي سفيان وأصحابه وعبد الله بن أبي زعيم المنافقين وأتباعه، ورؤوس اليهود والنصارى، يردوكم كافرين بعد الإيمان، فتصبحوا خاسرين في الدنيا بذل الكفر بعد عزة الإسلام، وتحكم العدو فيكم، وحرمانكم من متعة الملك والتمكين في الأرض، المذكورين في وعد الله المؤمنين الصادقين:{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً}[النور ٥٥/ ٢٤] وخاسرين في الآخرين أيضا بحرمانكم من نعيم الله وثوابه وتعرضكم لعذاب الله وعقابه في النار.
فلا تأبهوا بمناصرة وعون الكفار وإغوائهم، فإن الله هو ناصركم ومعينكم، كما في آية أخرى:{فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ، نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال ٤٠/ ٨]