أي شرع لكم من الدّين دين نوح ومحمد ومن بينهما عليهم السّلام من أرباب الشرع، وهو الأصل المشترك فيما بينهم، المفسّر بقوله:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} أي حافظوا عليه، والدّين: هو التوحيد والإيمان بما يجب تصديقه، والطاعة في أحكام الله أي توحيد الله وطاعته، وهو الإسلام بالمعنى العام. {وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} ولا تختلفوا في هذا الأصل، أما فروع الشرع فيمكن أن تختلف، كما قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً}[المائدة ٤٨/ ٥].
{كَبُرَ} عظم وشقّ عليهم. {ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد. {يَجْتَبِي إِلَيْهِ} يصطفي ويختار، وضمير إليه عائد على ما تدعوهم إليه، أو على الدّين. {وَيَهْدِي إِلَيْهِ} بالإرشاد والتوفيق. {مَنْ يُنِيبُ} يقبل ويرجع إلى طاعته.
{وَما تَفَرَّقُوا} أي أهل الأديان في الدّين، بأن وحّد بعض، وكفر بعض. {الْعِلْمُ} اليقين بالتوحيد أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها. {بَغْياً} أي ظلما وتجاوزا للحدّ من الكافرين. {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} بالإمهال وتأخير الجزاء. {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} هو يوم القيامة. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بتعذيب الكافرين المبطلين في الدنيا، حين افترقوا. {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ} أي أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين كانوا في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم. {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} لفي حيرة من أمرهم وكتابهم الذي لم يؤمنوا بحقيقته. {مُرِيبٍ} مقلق موقع في الرّيبة، شديد الرّيب والشكّ.
المناسبة:
بعد أن عظّم الله تعالى وحيه إلى نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم بقوله:{كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ..}. وبعد أن عدّد تعالى نعمه على الناس، فصّل أمر الوحي، وذكر نعمته العامة وهو ما شرع لهم من العقيدة المتفق عليها من توحيد الله وطاعته والإيمان برسله وبكتبه وباليوم الآخر والجزاء فيه، وذكر أن المشركين يشقّ عليهم دعوتهم إلى التوحيد وترك الأوثان، وأنهم ما اختلفوا إلا بعد قيام الحجة عليهم، وهم متأثرون ببواعث البغي والعدوان والحسد، وأنه لولا القضاء الإلهي السابق بإمهالهم وتأخير عذابهم، لعجلت لهم العقوبة في الدنيا.