{أُوتِيتُهُ} أي المال. {عَلى عِلْمٍ عِنْدِي} أي معرفة مني ومهارة في اكتساب المال، قيل:
إنه علم التجارة. {مِنَ الْقُرُونِ} الأمم. {وَأَكْثَرُ جَمْعاً} للمال. {وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} سؤال استعلام، فإنه تعالى مطلع عليها، معاقبهم عليها لا محالة.
المناسبة:
بعد تقريع المشركين وتوبيخهم، ذكر الله تعالى قصة قارون لبيان عاقبة الكافرين والمتجبرين في الدنيا والآخرة، فقد أهلك قارون بالخسف والزلزلة، وهو في الآخرة كالمشركين من أهل النار.
أضواء من التاريخ على قصة قارون:
عرفنا أن قارون هو ابن يصهر بن قاهث جدّ موسى، فهو ابن عمه، وقال ابن عباس: وكان أيضا ابن خالته. وكان يسمى المنوّر لحسن صورته، وكان أحفظ بني إسرائيل للتوراة وأقرأهم، فنافق كما نافق السامري، فأهلكه البغي لكثرة ماله.
فهو رجل من بني إسرائيل، آتاه الله مالا كثيرا، حتى إن مفاتيح خزائنه كان تنوء بحملها عصبة من الرجال. نصحه أهل الوعظ والإرشاد من قومه بالبعد عن البطر والتجبر والإفساد في الأرض، وأن يستعمل ماله في مرضاة الله، مع الانتفاع ببعضه في مصالح الدنيا بقدر الكفاية، وألا ينفقه فيما يغضب الله تعالى، حتى لا يتعرض لزوال النعمة، فأبى الامتثال لنصح الناصحين، وقال في ماله:{إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي} والظاهر أنه جمعه بما لديه من ذكاء وخبرة في شؤون التجارة، ولكنه غفل عن بطش الله بالمتجبرين المتكبرين من أمثاله في الأمم الغابرة الذين كانوا أشد منه قوة وأكثر جمعا للمال.
وقد استبد به الكبر والخيلاء أن كان يخرج في موكب مهيب وزينة فاخرة باهرة، فافتتن بعض الناس بمظاهره، وتمنوا أن يؤتوا مثله من المال، فقال لهم