والخلاصة: إن عظمة الكون، وإبداع السموات والأرض، وما بثّ الله فيهما من كائنات حية وجامدة، وروعة ما نشاهده من تركيب الإنسان، وتنوع عالم الحيوان في البر والبحر والجو، وما يقوم به أضخم الحيوان وأصغره، وتفنّن النحل في بناء البيوت وتكوين العسل، وحيل العناكب الضعيفة في اصطياد الحشرات، وعجائب أعمال الطيور، وتصرف الرّب في المخلوقات إيجادا وإعداما، بدءا وإعادة، كل ذلك دليل قاطع محسوس على وجود الإله الخالق المبدع، والرّب الواحد المتصرف، الذي لا ربّ سواه، ولا معبود بحق غيره.
هذا أول دليل كوني على وجود الله وقدرته ووحدانيته، وهو شامل لعدة أدلة، كل دليل منها كاف وحده في تكوين القناعة، ويمكن تصنيف ما ذكر في الآيتين الأوليين في دليلين إجماليين: دليل العبودية في العالمين العلوي والسفلي، ودليل الملك المطلق ووحدة مصير الخلائق إلى الله تعالى.
وفي كل شيء له آية... تدل على أنه واحد
وهذان دليلان آخران في الآيتين التاليتين على قدرة الله وتوحيده:
النوع الثاني-إنزال المطر:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً.}. إلى قوله:{يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ} أي ألم تعلم أيها النبي وكل مخاطب كيفية تكوين المطر وإنزاله، إنه تعالى يسوق بقدرته السحاب أول ما ينشئه بعضه إلى بعض، بعد أن يتكون من بخار الماء الصاعد من البحار التي هي أربعة أخماس المعمورة، ثم يجمع ما تفرق من أجزائه في وحدة متضامة، ثم يجعل بعضه متراكما فوق بعض، حتى يتكون منه سحاب عال في طبقات الجو الباردة، ثم يسوق ذلك السحاب بالرياح اللواقح إلى المكان الذي يريد إنزال المطر فيه، ثم ينزل المطر من خلال السحاب، أي من نتوقه وشقوقه التي تتكون بين أجزائه.