رجع القهقرى وتولى إلى الوراء، والمراد: أحجم {وَقالَ} لما قالوا له: أتخذلنا على هذه الحال؟:
{إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ} من جواركم {إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ} من الملائكة {إِنِّي أَخافُ اللهَ} أن يهلكني.
{إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ} أي زين لهم الشيطان حين قال المنافقون بالمدينة، والمنافق: من يظهر الإسلام ويبطن الكفر {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} هم ضعاف الإيمان الذين تملأ قلوبهم الشبهات والشكوك {غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ} يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم وأنهم يتقوون به وينصرون من أجله، فخرجوا مع قلتهم وهم ثلاثمائة، وبضعة عشر، يقاتلون الجمع الكثير وهم زهاء ألف، توهما أنهم ينصرون بسبب دينهم، فأجابهم الله بقوله:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} أي من يثق به يغلب {فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ} غالب على أمره، يسلط القليل الضعيف على الكثير القوي {حَكِيمٌ} في صنعه.
سبب النزول:
نزول الآية (٤٨):
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ}: روي أن الشيطان تمثّل لهم يومئذ في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وهو من بني بكر بن كنانة، وكانت قريش تخاف من بني بكر أن يأتوهم من ورائهم؛ لأنهم قتلوا رجلا منهم. وقد وصف الله تعالى ما قال الشيطان لهم. قال الضحاك: جاءهم إبليس يوم بدر برايته وجنوده، وألقى في قلوبهم أنهم لن يهزموا، وهم يقاتلون على دين آبائهم.
وذكر البيهقي وغيره عن ابن عباس قال: أمدّ الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة؛ فكان جبريل عليه السّلام في خمسمائة من الملائكة مجنّبة (١)، وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنّبة. وجاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم. فقال الشيطان للمشركين:{لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ، وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ}. فلما اصطفّ القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره،
ورفع
(١) مجنبة الجيش: هي التي تكون في الميمنة والميسرة، وهما مجنبتان.