للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقه الحياة أو الأحكام:

أرشدت الآيات الكريمات إلى غرر الأحكام التالية:

١ - وعد الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى بالمدافعة عن المؤمنين، وبحفظهم وصونهم من شر الأشرار وكيد الفجار، وبنصرهم على أعدائهم، ثم نهى نهيا صريحا عن الخيانة والغدر وكفران النعم.

٢ - أباح الله تعالى القتال لمن يصلح له لدفع أذى الكفار واعتدائهم، ودفاعا عن النفس وحق الحياة العزيزة الكريمة. قال الضحّاك: استأذن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم في قتال الكفار إذ آذوهم بمكة، فأنزل الله: {إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ}، فلما هاجر نزلت: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} وهذا-كما يقول العلماء القدامى-ناسخ لكل ما في القرآن من إعراض وترك وصفح، وهي أول آية نزلت في القتال.

وكانت قريش قد اضطهدت المسلمين حتى فتنوهم عن دينهم، ونفوهم عن بلادهم، فهم بين مفتون في دينه، ومعذّب، وبين هارب في البلاد مغرّب، فمنهم من فرّ إلى أرض الحبشة، ومنهم من خرج إلى المدينة، ومنهم من صبر على الأذى (١). والخلاصة: لقد أذنوا بالقتال بسبب كونهم مظلومين، وكان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديدا، وكانوا يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه، فيقول لهم: اصبروا، فإني لم أومر بقتال، حتى هاجر، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية (٢).

وفي هذه الآية دليل على أن الإباحة من الشرع، خلافا للمعتزلة؛ لأن قوله: {أُذِنَ} معناه أبيح، وهو لفظ‍ موضوع في اللغة لإباحة كل ممنوع.


(١) أحكام القرآن لابن العربي: ١٢٨٥/ ٣
(٢) تفسير الرازي: ٣٩/ ٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>