أو إنزال ملك بالرّسالة، صادرة على سبيل الاستهزاء، وكان يضيق قلب الرّسول بسماع ذلك، فأنزل الله هاتين الآيتين للتّخفيف عما يلاقيه النّبي صلّى الله عليه وسلّم من سوء الأدب والهزء والسّخرية، وإنزال العذاب هو سنّة الله الثابتة في المكذّبين أنبياءهم.
فهذه تسلية للنّبي صلّى الله عليه وسلّم في تكذيب من كذّبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدّنيا والآخرة.
التّفسير والبيان:
لقد استهزأ الأقوام الغابرون-وهذا تعبير بصيغة القسم من الله-بأنبيائهم الكرام، كما قال تعالى:{وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}[الحجر ١١/ ١٥] وذلك معاداة للإصلاح ودعوات الحقّ والتّوحيد والاستقامة، فليس كفار قريش منفردين بهذا الموقف، لكن كان جزاؤهم وجزاء أمثالهم من الساخرين إحاطة العذاب بهم.
وهذا إرشاد للنّبي صلّى الله عليه وسلّم ببيان سنّة الله في المكذّبين، وتسلية له حتى لا يضيق قلبه ذرعا، وتبشير له بالنّصر وحسن العاقبة، وقد أهلك الله خمسة من رؤساء قريش في يوم واحد، وهذا ما امتنّ الله به على نبيّه بقوله:{إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[الحجر ٩٥/ ١٥].
وقل يا محمد للمشركين: فكّروا في أنفسكم، وانظروا ما أحلّ الله بالقرون الماضية الذين كذّبوا رسله وعاندوهم، من العذاب والنّكال والعقوبة في الدّنيا، مثل عاد وثمود وطسم وجديس وقوم فرعون وقوم لوط، انظروا واعتبروا، كيف كان عاقبة المكذّبين، مع ما ادّخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة، وكيف نجّى الله رسله وعباده المؤمنين.