فرعون وقهره وما كانوا فيه من الهوان والذلة، وما صاروا إليه من العزّة والسيادة وخلافة الملك والسلطان، والاشتفاء أو الانتقام من عدوهم والنظر إليه وقت هلاكه وغرقه ودماره، بعد أن كان يسومكم سوء العذاب، بتقتيل أبنائكم، وترك نسائكم أحياء، وتسخيركم للخدمة. وفي ذلكم المذكور من الإنجاء من فرعون وعمله، والإنعام عليكم بهذه النعم بلاء عظيم، أي أن النعمة أو المحنة اختبار مهم جدا، فأنتم أجدر الناس بعبادة ربكم الذي منحكم نعمة الحياة والإنقاذ والعزة، وأولى من غيركم بشكر تلك النعم الجليلة، وهل هناك عجب أشد من هذا العجب أن تطلبوا جعل آلهة مزيفة عاجزة خسيسة ضعيفة واسطة بينكم وبين الله الذي فضلكم عليها وعلى من يعبدونها.
والمراد بقوله:{وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ} أي اذكروا ذلك الوقت، والقصد ذكر ما حصل فيه، حتى يشكروا الله عليه.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية الأولى:{وَجاوَزْنا} على جهالة بني إسرائيل بحقيقة التوحيد الذي جاء موسى عليه السّلام من أجل إرشادهم إليه، فقد طلبوا منه أن يعين لهم أصناما وتماثيل يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى، وهذا تماما مشابه لفعل عبدة الأوثان حيث قالوا:{ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى}[الزمر ٣/ ٣٩].
قال قتادة: كان أولئك القوم من لخم، وكانوا نزولا بالرّقة. وقيل: كانت أصنامهم تماثيل بقر؛ ولهذا أخرج لهم السامري عجلا.
ونظيره قول جهال الأعراب في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى «ذات أنواط»(١) يعظمونها في كل سنة يوما: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط.