التوراة والإنجيل بأنزل، وعن القرآن بنزّل؛ لأنهما نزلا دفعة واحدة، وأما القرآن فنزل تدريجيا، والتعبير عن الوحي بالتنزيل أو بالإنزال للإشارة بأن منزلة الموحي أعلى من منزلة الموحى إليه، فتكرار {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ}{وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ}{وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ} لاختلاف الإنزال بآيات الله وكيفيته وزمانه، والله كرر اسمه تعالى تفخيما؛ لأن في ذكر الظاهر من التفخيم ما ليس في ذكر المضمر.
{الْفُرْقانَ} ما يفرق بين الحق والباطل كالدلائل والبراهين، وهو عموم بعض خصوص ليعم ما عدا الكتب الثلاثة. {بِآياتِ اللهِ} القرآن وغيره {وَاللهُ عَزِيزٌ} غالب على أمره، فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده {ذُو انْتِقامٍ} عقاب شديد ممن عصاه، لا يقدر على مثله أحد.
{إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ} كائن في الأرض ولا في السماء، لعلمه بما يقع في العالم من كلي وجزئي، وخصهما بالذكر؛ لأن الحس لا يتجاوزهما.
{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ} التصوير: جعل الشيء على صورة لم يكن عليها، والأرحام: جمع رحم، وهو مستودع الجنين من المرأة {كَيْفَ يَشاءُ} من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وطبائع وأخلاق وغير ذلك.
{الْعَزِيزُ} في ملكه {الْحَكِيمُ} في صنعه.
سبب النزول:
أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير الطبري وابن إسحاق وابن المنذر (١) أن هذه الآيات إلى بضع وثمانين آية نزلت في وفد نصارى نجران، وفدوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكانوا نحو ستين راكبا، فيهم أربعة عشر من أشرافهم، وعلى رأسهم أميرهم ووزيرهم وحبرهم، وخاصموه في عيسى ابن مريم، وقالوا له: من أبوه؟ وتكلم منهم ثلاثة، فمرة قالوا: عيسى ابن مريم إله؛ لأنه يحيي الموتى؛ وتارة هو ابن الله، إذ لم يكن له أب؛ وتارة هو ثالث ثلاثة لقوله تعالى:
«قلنا، وفعلنا» ولو كان واحدا، لقال: قلت وفعلت.
(١) أسباب النزول للواحدي: ص ٥٣، البحر المحيط: ٣٧٣/ ٢ وما بعدها.