للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اِجْتَرَحُوا} اكتسبوا ومنه الجارحة: أعضاء الإنسان. {السَّيِّئاتِ} الكفر والمعاصي. {أَنْ نَجْعَلَهُمْ} هذا الضمير وما قبله في {اِجْتَرَحُوا} للكفار، والمعنى: إنكار أن يستوي الفريقان بعد الممات في الكرامة، أو ترك المؤاخذة، كما استووا في الرزق والصحة في الحياة. {ساءَ ما يَحْكُمُونَ} أي ليس الأمر كذلك، فهم في الآخرة في العذاب على خلاف عيشهم وحالهم في الدنيا، أي ساء حكمهم هذا، أو بئس شيئا وحكما حكمهم هذا، و {ما} مصدرية.

{وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} كأنه دليل على الحكم السابق، لأن الخلق بالحق يستدعي العدل والتفاوت بين المسيء والمحسن. {وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} من المعاصي والطاعات، فلا يساوي الكافر المؤمن، وهي عطف على {بِالْحَقِّ} لأنه في معنى العلة لما سبق، أي ليستدل بذلك على قدرته، وليعدل ويجزي.

{أَفَرَأَيْتَ} أخبرني. {مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ} ترك متابعة الهدى إلى مطاوعة الهوى من عبادة الحجر، لأنه كان يعبده، فإذا رأى أحسن منه رفضه وعبد الآخر، والهوى: ما تهواه نفسه.

{وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ} خذله عالما بضلاله، وفساد استعداده وحاله قبل خلقه. {وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} طبع عليهما بالخاتم بعد كفره، فلم يسمع الهدى والمواعظ‍، ولم يتفكر في الآيات. {وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً} ظلمة، فلم ينظر بعين الاستبصار والاعتبار، ولم يبصر الهدى.

{فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ} من بعد هداية الله وإضلاله إياه، أي لا يهتدي. {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} تتعظون. وقرئ «تتذكرون».

سبب النزول:

نزول الآية (٢١):

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ.}.: قال الكلبي: نزلت هذه الآية في علي وحمزة وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وفي ثلاثة من المشركين: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، قالوا للمؤمنين: والله ما أنتم على شيء، ولو كان ما تقولون حقا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة، كما أنّا أفضل حالا منكم في الدنيا، فأنكر الله عليهم هذا الكلام، وبيّن أنه لا يمكن أن يكون حال المؤمن المطيع مساويا لحال الكافر العاصي في درجات الثواب، ومنازل السعادات (١).


(١) تفسير الرازي: ٢٦٦/ ٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>