{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} أريد بالاستفهام الأمر، أي انتهوا، وهو من أبلغ ما ينهى به، لما فيه من الحض على الانتهاء. قال أبو السعود في تفسيره (٥٦/ ٢): ولقد أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية الكريمة بفنون التأكيد، حيث صدّرت الجملة ب {إِنَّما} وقرنا بالأصنام والأزلام، وسمّيا رجسا من عمل الشيطان، وأمر بالاجتناب عن عينهما، وجعل ذلك سببا للفلاح، ثم ذكر ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية، ثم أعيد الحث على الانتهاء بصيغة الاستفهام:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}؟ إيذانا بأن الأمر في الزجر والتحذير قد بلغ الغاية القصوى.
والتعبير بقوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوهُ} أبلغ من التعبير بلفظ حرم لأنه يفيد التحريم وزيادة وهو التنفير والإبعاد عنه بالكلية، كما في قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج ٣٠/ ٢٢].
المفردات اللغوية:
{الْخَمْرِ} كل شراب مسكر يخامر العقل {الْمَيْسِرِ} القمار {وَالْأَنْصابُ} الأصنام وهي حجارة كانت حول الكعبة يذبحون قرابينهم عندها {وَالْأَزْلامُ} أي قداح الاستقسام: وهي قطع رقيقة من الخشب بهيئة السهام، كانوا يستقسمون بها في الجاهلية، تفاؤلا أو تشاؤما {رِجْسٌ} خبيث مستقذر حسا أو معنى، إما من جهة الطبع أو من جهة العقل، أو من جهة الشرع كالخمر والميسر، أو من كل تلك الاعتبارات كالميتة؛ لأن النفس تعافها طبعا وعقلا، ويعافها الشرع {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ} أي من تزيينه {فَاجْتَنِبُوهُ} أي تجنبوا فعل الرجس. {الْعَداوَةَ} تجاوز الحق إلى الأذى {وَيَصُدَّكُمْ} يمنعكم بالاشتغال بهما {وَعَنِ الصَّلاةِ} خصها بالذكر تعظيما لها {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} عن إتيانها، أي انتهوا. {وَاحْذَرُوا} المعاصي {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} عن الطاعة {الْبَلاغُ الْمُبِينُ} الإبلاغ الواضح {طَعِمُوا} ذاقوا طعمه وتلذذوا بالأكل أو الشرب، والمراد أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم. {إِذا مَا اتَّقَوْا} المحرمات {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} ثبتوا على التقوى والإيمان {وَأَحْسَنُوا} العمل {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أي يثيبهم.
سبب النزول:
روى أحمد عن أبي هريرة قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهما، فأنزل الله:{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الآية، فقال الناس: ما حرم علينا، إنما قال: إثم كبير،