{لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} استعارة أيضا، استعار ذلك لتوسعة الرزق عليهم، كما يقال: عمّه الرزق من فوقه إلى قدمه.
المفردات اللغوية:
{يَدُ اللهِ} اليد: هي في الحقيقة العضو المعروف من الأصابع حتى الكتف، أو إلى الرسغ، وتطلق مجازا على النعمة، تقول: لفلان عندي يد أي معروف ونعمة، وعلى العطاء والنفقة، كما يقال: ما أبسط يده بالنوال، أي العطاء الجزيل، وعلى القدرة مثل قوله تعالى:{أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ}[ص ٤٥/ ٣٨] أي ذوي القوة والعقول. والمقصود بقولهم:{يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} أي ممسكة عن العطاء والإنفاق وإدرار الرزق علينا، كنّوا به عن البخل، تعالى الله عن ذلك. {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} أمسكت وانقبضت عن فعل الخير، وهو دعاء عليهم بالبخل {يَداهُ مَبْسُوطَتانِ} أي كثير العطاء، مبالغة بالوصف بالجود، وثنّى اليد لإفادة الكثرة؛ إذ غاية ما يبذله السخي من ماله: أن يعطي بيديه ونحن نؤمن باليد من غير تشبيه ولا تجسيم. وإن كان قصدهم أثر اليد وهو الإنعام بقرينة الإنفاق. {يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ} من توسيع وتضييق، لا اعتراض عليه. ما أنزل إليك من بالأمن والسلم، والسلب ولو بغير قتل، وإثارة الفتنة {أَطْفَأَهَا اللهُ} أي كلما أرادوه ردهم {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً} أي مفسدين بالمعاصي {وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} أي يعاقبهم.
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا} بمحمد صلّى الله عليه وسلّم {وَاتَّقَوْا} الكفر {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ} بالعمل بما فيهما على أتم وجه، سواء الإيمان الصحيح، ومنه الإيمان بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، والعمل الصالح. {وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} من الكتب {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} أي لوسع عليهم الرزق وفاض من كل جهة {مِنْهُمْ أُمَّةٌ} جماعة {مُقْتَصِدَةٌ} معتدلة في أمر الدين، وهم من آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم كعبد الله بن سلام وأصحابه {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ} أي بئس ما يعمله الكثيرون منهم.
سبب النزول:
أخرج الطبراني وابن إسحاق عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له: النباش بن قيس للنبي: إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله:{وَقالَتِ الْيَهُودُ: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ}. وأخرج أبو الشيخ ابن حيان من وجه آخر عن ابن عباس قال: نزلت: {وَقالَتِ الْيَهُودُ: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} في فنحاص رأس يهود بني قينقاع وهذا ما قاله عكرمة.