{وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} واذكر لهم قصته تعظيما للمعصية في أعينهم، فإنه مع علوّ شأنه، واختصاصه بعظائم النعم والمكرمات، لما توهم أو ظن أنه أتى صغيرة استغفر ربه وأناب، فما الظن بالكفرة وأهل الطغيان؟ {ذَا الْأَيْدِ} القوة والجلد في العبادة، كان يصوم يوما، ويفطر يوما، ويصوم نصف الليل، وينام ثلثه، ويقوم سدسه {أَوّابٌ} رجاع إلى الله وإلى طاعته ومرضاته.
{يُسَبِّحْنَ} بتسبيحه {بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ} بالمساء والصباح، وأصل العشي: وقت العشاء، و {الْإِشْراقِ} وقت شروق الشمس ووضوح ضوئها {مَحْشُورَةً} مجموعة إليه من كل جانب، تسبح معه {كُلٌّ لَهُ} من الجبال والطير لأجل تسبيحه {أَوّابٌ} رجاع إلى التسبيح منقاد يسبح تبعا له {وَشَدَدْنا مُلْكَهُ} قويناه حتى ثبت، وآزرناه بالهيبة والنصر، وبالحرس والجنود {الْحِكْمَةَ} النبوة وكمال العلم وإصابة الصواب في القول والعمل {وَفَصْلَ الْخِطابِ} البيان الشافي، والكلام الفاصل بين الحق والباطل.
{وَهَلْ أَتاكَ} أيها الرسول أي خبرهم وقصتهم، ويراد بالاستفهام هنا التعجب والتشويق إلى استماع ما بعده {الْخَصْمِ} جماعة الخصوم، ويطلق الخصم على المفرد والجمع، مذكرا ومؤنثا {تَسَوَّرُوا} أتوه من أعلى السور، ودخلوا إلى المنزل والمسجد الذي يصلي فيه، حيث منعوا الدخول عليه من الباب، لشغله بالعبادة {فَفَزِعَ} خاف {خَصْمانِ} نحن فوجان متخاصمان، والمشهور أنهما ملكان، والأقرب أنهما بشران عاديان صاحبا نعاج أي مواشي، والخصومة حقيقية {بَغى} جار وظلم {وَلا تُشْطِطْ} لا تجر في الحكم ولا تبعد عن الحق {وَاهْدِنا} أرشدنا {سَواءِ الصِّراطِ} وسط الطريق الصواب.
{إِنَّ هذا أَخِي} أي على ديني {نَعْجَةً} أنثى الضأن {أَكْفِلْنِيها} اجعلني كافلها وملكنيها {وَعَزَّنِي} غلبني {فِي الْخِطابِ} في الجدال والمخاطبة والمحاجة {بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ} سؤاله نعجتك ليضمها إليه {الْخُلَطاءِ} الشركاء، والمعارف أو الأعوان الذين بينهم خلطة وامتزاج، جمع خليط {وَقَلِيلٌ ما هُمْ}{ما} زائدة لتأكيد القلة {وَظَنَّ} من الظن وهو رجحان تصور الشيء، أو بمعنى تيقن وعلم {فَتَنّاهُ} ابتليناه أو امتحناه بتلك الحكومة، واختبرناه بهذه الحادثة {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} للظن السيء بالرجلين أنهما أتياه لقتله وهو منفرد في محرابه {وَخَرَّ راكِعاً} ساجدا {وَأَنابَ} تاب ورجع إلى الله وطاعته.
{فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ} أي عفونا عنه ذلك الظن السيء بالرجلين، وهذا من قبيل «حسنات الأبرار سيئات المقرّبين». {لَزُلْفى} قرب من الله {مَآبٍ} مرجع في الآخرة.