{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} فيه إيجاز بالحذف، أي عن تعاطيهما، بدليل قوله تعالى:
{قُلْ: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ}.
{وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} فيه إطناب، وهو التفصيل بعد الإجمال.
{كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ} فيه تشبيه مرسل مجمل، أي كما فصل لكم هذه الأحكام وبينها وأوضحها، كذلك يبين لكم سائر الآيات في أحكامه ووعده ووعيده، لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة، يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها.
المفردات اللغوية:
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} أي عن حكم شربهما وتعاطيهما. والسائلون: هم المؤمنون.
والخمر: من خمر الشيء: إذا ستره وغطاه، سميت بها، لأنها تستر العقل وتغطيه. وهي عند الحنفية: النيء من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، وتطلق في رأي الجمهور على عصير العنب والتمر والذرة وكل ما يسكر. والميسر: القمار، مأخوذ من اليسر وهو السهولة، لأنه كسب بلا جهد ولا مشقة. قال مجاهد: كل القمار من الميسر، حتى لعب الصبيان بالخرز. وكان قمار العرب في الجاهلية بالأقداح أو الأزلام وهي عشرة، سبعة يكتب على كل واحد منها نصيب معلوم، وثلاثة غفّل لا نصيب لها، كانوا يشترون جزورا نسيئة (لأجل) وينحرونه قبل أن ييسروا، ويقسمونه ٢٨ قسما أو ١٠ أقسام، ويجعلون الأقداح العشرة في كيس يحركها شخص ثقة منهم، ويدخل يده، فيخرج منها الأقداح، فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ نصيبه، ومن خرج له قدح مما لا نصيب له، لم يأخذ شيئا، وغرم ثمن الجزور كله. وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك، ويذمون من لم يشترك معهم.
{فِيهِما} في تعاطيهما {إِثْمٌ كَبِيرٌ} الإثم: الذنب، ولا ذنب إلا فيما كان ضارا من قول أو فعل، والضرر إما في البدن أو النفس أو العقل أو المال. والكبير: العظيم، وسبب الوقوع في الإثم: ما يقع بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش.
{وَمَنافِعُ لِلنّاسِ} باللذة والفرح في الخمر وتحقيق الربح بالتجارة فيها، وإصابة المال بلا كدّ ولا جهد في الميسر، فهي منافع اقتصادية أو شهوانية.
{وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} أي ما ينشأ عنهما من المفاسد وعقاب التعاطي أعظم من نفعهما:
وهو الالتذاذ بشرب الخمر، ولعب القمار، والطرب فيهما، وسلب الأموال بالقمار والافتخار على الأقران، فالكثرة تعني أن أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة.