ودل ذلك على أن هارون كان دون موسى في شدة العزيمة وقوة الإرادة وأخذ الأمور بالحزم.
وأرشد اعتذار هارون أنه بريء من جريمة اتخاذ العجل إلها، وأنه لم يقصر في نصحهم والإنكار عليهم، وقد غفر الله له. وهذا مخالف لما في التوراة أن هارون هو الذي صنع العجل لهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
تختلف أحوال الناس وطبائعهم في سياسة الآخرين والاحتكاك بهم، فمنهم الحاد الطبع، السريع الانفعال كموسى عليه السّلام، الذي غضب للحق، وهو محق فيما فعل، ومتوقع منه كل ما فعل، ومنهم الهادي الطبع، اللين العريكة، الحليم مثل هارون عليه السّلام الذي لم يأل جهده في الإنكار على قومه، ولكنهم لم يرعووا لنصحه وهمّوا بقتله.
ولم يغضب موسى لخبر ربه غضبا مماثلا لما شاهده من الواقع المر؛ لأنه ليس الخبر كالعيان، والشاهد يتألم ويتأثر عادة أكثر مما يتأثر به الغائب؛ لأن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب.
وكل هذه أحوال نفسية فطرية، لا سلطان للإنسان عليها، ومن المعروف أن الأمور الجبليّة من غضب وسرور ونحوهما لسنا مكلفين بها.
أما إلقاء موسى الألواح فكان بسبب دهشته واستفزازه ومن غير شعور منه تأثرا بما رأى، ففعل ما فعل، ولم يدر ما صنع. ولم يتعمد كسر الألواح، بل كان في غيبة وانفعال شديد، حتى لو كان بين يديه بحر من نار لخاضه.
وأما أخذه برأس أخيه يجره إليه من شعره ولحيته فلا يتنافى مع عصمة الأنبياء؛ لأنه لم يفعل ذلك على سبيل الإهانة والإذلال والاستخفاف، وإنما على